1

هل كُفر الرازي من قبل بعض علماء الإسلام بسبب أفكاره الفلسفية؟

السلام عليكم، قرأت مقالًا عن الفكر الفلسفي للرازي، والآراء الفلسفية التي يتبناها، وسمعت أنه تم تكفيره من بعض العلماء، وأريد أن أسأل هل كُفِّر الرازي من قبل بعض علماء الإسلام بسبب أفكاره الفلسفية؟

11:47 14 ديسمبر 2021 959 مشاهدة

1

إجابات الخبراء (1)

0

إجابة معتمدة
حمزة مشوقة
حمزة مشوقة . الشريعة
تم تدقيق الإجابة 11:47 14 ديسمبر 2021

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بداية لا بد من التنويه إلى أمرٍ مهمّ في مسألة التكفير؛ سواء تعلّق الأمر بالعلماء أو غيرهم من أهل الملّة، وهو أنّ مسألة إطلاق حكم التكفير على أحدٍ مسألةً تضبطها ضوابط عديدة، ولا يصحّ أنْ يتولّى إطلاق حكم التكفير على أعيان الناس كلّ أحد.


وفي محاولة للإجابة على استفسارك دعني أوضّح لك بعض الأمور:


  1. الأول: إن بعض العلماء قد يحكمون على علماء آخرين بناء على ما وصل إليهم، وقد يكون ما وصل إليهم خطأ، ولا تصحّ نسبته إلى صاحبه.


  1. الثاني: قد يكون الاختلاف في المذهب العقدي بين بعض أتباع المذاهب سبباً في طعن أحدهم للآخر؛ فهم بشر، وربّما كان التعصّب للمذهب العقديّ سبباً في تكفير أحدهم للآخر، كما قد يكون سوء الفهم الحاصل سبباً في ذلك.


ولا بد قبل الوقوف على أقوال العلماء في الإمام فخر الدين الرازي -رحمه الله- أن نعلم سبب وجود مثل هذا الحكم عليه، وثمّة سببان لذلك:


  1. الأول: اشتغاله بعلم الفلسفة والإكثار من إيراد من الشبهات في كتبه والإيجاز في إبطالها، وقد ردّ عليه في هذا سبط ابن الجوزي والحافظ الذهبي والحافظ ابن سيد الناس، ولكن لم يُكفّره أحد بسبب ذلك.


ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأن الإمام فخر الدين الرزاي أكْثَر من التصنيف والتأليف بمناهج متعددة، فتارة كان يصنف كتباً على مذهب أهل السنة يقرر فيها مذهبهم فقط؛ مثل كتاب (معالم أصول الدين)، وكتاب (المسائل الخمسون في أصول الدين).


وكان يصنّف كتباً لعرض أقوال الفرق والمذاهب؛ مثل كتاب (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)، وتارة كان يصنف كتباً لتقرير أقوال المخالفين والرد عليها؛ ككتاب (المطالب العالية).


إذاً فالإمام الرازي لم يقصد من تصنيف كتبه أن تكون جميعها موجّهة للعوام وطلبة العلم، بل كتب قسماً من كتبه للعلماء، وأطال في عرض الشبهات؛ حتى يتمكنوا من فهم مقالات الفرق والمذاهب والفلسفات الأخرى، وكانت كثيرٌ من ردوده دقيقة ومختصرة؛ لأنها كانت موجّهة للعلماء أساساً فلا داعي للتطويل في الرد.


ويدل على ذلك أنه قال في وصيته التي كتبها قبل وفاته: "فاعلموا أني كنت رجلاً محباً للعلم، فكنت أكتب من كل شيء شيئاً لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقاً أو باطلاً"، وقال أيضا: "فإني ما أردت إلا تكثير البحث وشحذ الخاطر"، والوصية نقلها الإمام السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى".


وأما بخصوص اشتغال الإمام الرازي بالفلسفة؛ فإن الرازي بحث في كتب الفلاسفة بحثاً معمقاً، وغاص في كتبهم، واستعمل أساليبهم في الرد عليهم، ونقل العلامة الصفدي في كتاب "الوافي بالوفيات" عن الإمام أبو حيان الأندلسي أنه قال: "فخر الدين وإن كان قد أكثر من إيراد شبه الفلاسفة وملأ بها كتبه فإنه قد زلزل قواعدهم".


  1. الثاني: تصنيفه كتاب (السر المكتوم) في السحر ودعوة الكواكب، وهذا السبب جعل أحد العلماء يصرّح بردّته ثمّ عودته إلى الإسلام.


ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأن من كَفّره بسبب هذا الكتاب لم يطّلع على كتابه المذكور؛ فقد قال الإمام الرازي في بداية هذا الكتاب: "أما بعد، فهذا كتاب يجمع فيه ما وصل إلينا من علم الطلمسات والسحريات والعزائم ودعوة الكواكب، مع التبري عن كل ما يخالف الدين وسلم اليقين".


وهذا يبيّن أنّ الإمام الرازي تبرّأ من علوم السّحر والطلاسم، وكان مقصد الرازي من كتابه هذا الردّ على الصابئة، وهي طائفة دينية يعتقدون بعبادة الكواكب، وقد عمل الرازي في كتابه هذا على إبطال أصول هذه العلوم الكفريّة ونقضها وإبطالها.


وأخيراً؛ كان ممن أثنى عليه من العلماء والأئمة: تاج الدين السبكي، وجلال الدين السيوطي، وابن الأثير، وابن العماد الحنبلي، وابن خلكان، وصلاح الدين الصفدي، وشمس الدين الداودي، وعفيف الدين اليافعي.


وقد اتفق هؤلاء العلماء على وصفه بالإمام، ولا شك أن هذه مرتبة لا تُعطي لأي عالم، بل تُعطى لعالم بلغ مرتبة التحقيق في العلوم الشرعية، والإمام فخر الدين الرازي بلغ درجة التحقيق في علم أصول الدين وعلم أصول الفقه وفي التفسير.


رحم الله الإمام فخر الدين الرّازي وجزاه خيراً عمّا قدّمه من علومٍ في خدمة السنّة وعلومها.

0

لماذا كانت الإجابه غير مفيده
0/ 200
لقد تجاوزت الحد الأقصى من الحروف المسموحة
رجوع